طورت الباحثة في مجال الجيوفيزياء، من مركز التكنولوجيا التطبيقية للفضاء وعلوم الجاذبية التابع لجامعة بريمن الألمانية، كريستيان هاينيكه وفريقها، بعد عامين من العمل، نموذجاً أولياً لما تصفه بأنه مكان إعاشة يمكن استخدامه في قاعدة فضائية، سواء على القمر أو على كوكب المريخ.
ويحمل هذا المشروع اسم “مامبا”، وهو اختصار لعبارة “القاعدة التناظرية على القمر والمريخ” باللغة الإنكليزية، وتم تصميمه لتسكين طاقم يتألف من 6 أفراد، ويتكون من 6 وحدات متصلة ولكنها مستقلة عن بعضها، وهو عبارة عن منشأة لاختبار تقنيات تتعلق بأنظمة دعم الحياة والطاقة ووسائل تشغيل وصيانة روبوتية.
وتتكون كل وحدة من أسطوانة صلبة طولية يبلغ قطرها الخارجي نحو 5 أمتار وارتفاعها زهاء 6 أمتار، ويتضمن تصميم الغرفة الخاصة بالترفيه في هذا المنزل الفضائي على نافذة، ويتوسط المنزل مختبر علمي تم بناء نموذج له بالفعل بالحجم الطبيعي.
وتم تمويل المشروع بمبلغ 380 ألف يورو قدمته مؤسسة “كلاوس تشيرا”، وهي منظمة غير ربحية تدعم المشروعات العلمية في مجالات العلوم الطبيعية والحوسبة والرياضيات.
ومن بين التصميمات المقترحة للمنزل الفضائي أن يتم تخصيص 3 وحدات للإقامة والأنشطة الترفيهية، مثل غرفة للنوم ومطبخ وقاعة للترفيه، و3 وحدات أخرى للعمل مثل مختبر وورشة عمل وصالة ألعاب رياضية وصوبة زراعية، ويحتوي هذا المنزل أيضا على غرفتين للضغط.
ويتم تقسيم المساحات المخصصة للعمل إلى طابقين يفصلهما سقف فرعي، حيث يكون هناك طابق سفلي وآخر علوي.
وإن كانت المساحات المخصصة للأنشطة الترفيهية تتكون من طابق واحد لإعطاء رواد الفضاء شعورا بالاتساع ويخفف من “حمى الأماكن المغلقة” التي قد يعانون منها خلال مهمات الفضاء التي يمكن أن تستغرق عاما ونصفا.
وأقرت كريستيان بأنه “بالنسبة للمهندسين فإن وضع نافذة في منزل فضائي هي بالطبع مثل الكابوس”.
ولكن الطاقم الذي يعيش ويعمل على مدار أشهر في أماكن ضيقة وسط عالم غريب في حاجة إلى منزل يمكنهم العيش فيه، و”إلا فإنهم سوف يصابون بالجنون”.
وقالت هاينيكه إن “المشكلات التي تحدث داخل المنزل الفضائي هي في الواقع نفس المشكلات المعتادة التي تحدث في الحياة اليومية، ولكنها تكون متفاقمة بشكل كبير”.
ومن أجل اختبار ظروف العزلة التي قد يتعرض لها رواد الفضاء خلال مهمة على كوكب المريخ، أمضت هاينيكه عاما وهي معزولة مع 5 أشخاص آخرين داخل قبة لا تزيد مساحتها عن مئة متر مربع بجوار أحد البراكين في هاواي.
وكلما كان يتعين عليهم الخروج من هذه القبة، كان لا بد أن يرتدوا ملابس فضائية.
وأضاف هاينيكه: “في الظروف العادية يستطيع المرء أن يأخذ فترة راحة أو يقضي عطلة نهاية أسبوع من أجل الانفصال عن العمل سواء مكانيا أو ذهنيا، ولكن هذه المسألة مستحيلة في ظل ظروف الحياة في الفضاء”.
وأكد المهندس فولكر شميدت المتخصص في مجال الفضاء والذي يرأس قسم رحلات الفضاء المأهولة ومحطة الفضاء الدولية في مركز الفضاء الألماني أهمية الحالة النفسية خلال المهمات الفضائية.
ويرى شميدت أن شكل وتكوين مكان الإعاشة لرواد الفضاء يجب ألا يكون ضارا من الناحية النفسية.
ويوجد في محطة الفضاء الدولية على سبيل المثال جهاز لتحويل البول والعرق ورطوبة الجوي إلى ماء صالح للشرب، وقال شميدت، وتعلو وجهه ابتسامة: “كما يقول رواد الفضاء، فإن قهوة الأمس هي نفسها قهوة اليوم”.
ويلعب مفهوم إعادة تدوير الموارد والاستدامة دوراً كبيراً في مشروع “مامبا”، وتتطلع هاينيكه وفريقها إلى نوع خاص من البكتيريا يطلق عليها اسم “البكتيريا الخضراء المزرقة” من أجل إنتاج الأكسجين على سبيل المثال.
ويرى فريق “مامبا” أن القمر يعتبر مكانا مثاليا للاختبارات والتدريب من أجل إرسال مهمة فضائية إلى المريخ.
ومن أجل حماية القاعدة القمرية التي ابتكروها من الإشعاعات الفضائية فإن الخيار المفضل بالنسبة لهم هو بناء جدار صناعي مصنوع من الخرسانة يحيط بالقاعدة، ويتراوح سمكه ما بين متر ونصف ومترين، وعلّقت هاينيكه: “السلامة تأتي أولا”.
وتستهدف بعض اختبارات الفريق إلى تحديد أكثر تصميم داخلي عملي للمنزل الفضائي، ونوعية الأدوات وأنظمة الإعاشة اللازمة، وكذلك أفضل الأماكن لتخزين الاحتياجات أو إجراء التجارب العلمية المعقدة.
وبمجرد التوصل إلى التصميم المثالي لأماكن العمل داخل مكان الإعاشة، سوف يصب فريق الدراسة اهتمامه على جوانب أخرى مثل وسائل تكييف الهواء وإمدادات الطاقة وتوصيلات الكهرباء والإنارة.
ويجب تسوية هذه العناصر كافة قبل إرسال وحدات الإعاشة إلى القمر أو المريخ، وقد تم تصنيع النموذج الأولي من المختبر الفضائي من الخشب والجبس.
وتبلغ مساحته 15 مترا مربعا، وقد تم طلاؤه باللون الفضي، وهو يقوم بدور القالب الذي سوف توضع فيه جميع وحدات الإعاشة.
وأوضحت هاينيكه: “الهدف هو التوصل إلى شكل قابل للتنفيذ، وأن يكون من الممكن صناعة نسخة مطابقة تماما من المنزل الفضائي، وأن يتم وضعها على القمر”.
ولكن متى يمكن أن يحدث ذلك؟.. وقال شميدت إن الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة، موضحاً أن وكالة علوم الفضاء والطيران الأمريكية (ناسا) أعلنت أن الهبوط القادم على القمر سيكون عام 2028، ولكن الحكومة الأمريكية قامت بتقديم هذا الموعد حتى عام 2024.
وتطور ناسا في الوقت الحالي ما يطلق عليه اسم “لونر جيتواي” أي “البوابة القمرية”، وهي سفينة فضائية صغيرة تدور في مدار حول القمر.
وقالت ناسا إن هذه السفينة سوف “تتيح إمكانية الوصول إلى سطح القمر بشكل أكبر عن أي وقت مضى”، وسوف تحتوي على أماكن لإقامة رواد الفضاء ومختبر للأبحاث ومنصات للالتحام بالسفن الفضائية القادمة.
وتعتزم ناسا إرسال أجزاء كبيرة من “البوابة القمرية” على متن صواريخ عديدة من أجل تركيبها بشكل آلي في الفضاء، ومن المقرر إرسال الجزء الرئيسي من هذه السفينة في عام 2022.
وقال شميدت إن “البوابة القمرية سوف تضمن إمكانية الهبوط على سطح القمر بشكل أكثر استدامة وبطريقة اقتصادية، ثم العودة مرة أخرى”.
وأضاف أن وضع البنية التحتية للمنزل الفضائي على سطح القمر يمكن أن يبدأ خلال العقد الرابع من القرن الحالي.
أخبار الآن